قد يخلِّف الحرمان من النوم شعورًا بغيضًا في النفس، لكن ما تأثيره الفعلي على العقل الدماغ؟
حقق الأمريكي راندي جاردنر رقمًا قياسيًّا لأطول فترة مُتعمَّدة دون نوم سُجِّلت علميًّا على الإطلاق.
تمكن راندي — دون الاستعانة بمُنبِّهات — من البقاء مستيقظًا لمدة ٢٦٤٫٤ ساعة؛ أي ما يوازي ١١ يومًا و٢٤ دقيقة.
كان جزءٌ من الدافع المحرِّك له هو إثبات أنَّ الحرمان من النوم لا ضرر فيه.
وقد كان مخطئًا؛ فعدم النوم مضرٌّ فعلًا. فالحقيقة أنه عانى من جنون الاضطهاد والهلوسة والتقلُّبات المزاجية ومجموعة كاملة من المشكلات النفسية، وفيما يلي شرحٌ لكثير منها. كل ما في الأمر أنه «لم يلحظ» كثيرًا من هذه المشكلات. وهذا هو تأثير الحرمان من النوم على المرء.
ها هي ١٠ من أقوى الآثار النفسية للحرمان من النوم، بالإضافة إلى الشعور البغيض الذي يخلِّفه في النفس:
١ بذل الدماغ جهدًا أكبر
بما أنَّ الدماغ المحروم من النوم لا يكون على القدر ذاته من الكفاءة؛ فإنه يضطر إلى بذل المزيد من الجهد في العمل.
وقد ثبت ذلك في دراسات قائمة على تصوير الدماغ، ظهرت فيها أدمغة الأشخاص المحرومين من النوم وهي تضخُّ الطاقة بصورة محمومة إلى قشرة مقدمة الفص الجبهي، في محاولة للتغلُّب على آثار الحرمان من النوم.
٢ تلف الذاكرة قصيرة المدى
يتسبب الحرمان من النوم في قصور حاد في الذاكرة العاملة. فمن دون الذاكرة قصيرة المدى لا يمكن للمرء أن يحتفظ في ذهنه حتى برقم تليفون، ناهيك عن القيام بأي مهام معقَّدة. لهذا عندما تُحرَم من النوم لا تنفكُّ تدور في دوائر مفرغة.
في اليوم الحادي عشر من الفترة القياسية التي قضاها راندي جاردنر دون نوم، طُلِب منه أن يطرح ٧ من ١٠٠ بصفة متكررة، فتوقف عند رقم ٦٥ قائلًا: إنه ليست لديه أدنى فكرة عما يفعله.
٣ تلف الذاكرة طويلة المدى
يضطلع النوم بدور مهم في تعزيز الذكريات. فأثناء النوم، يعمل الدماغ على تنظيم الأحداث التي تعرَّضنا لها ودمْجِها واستيعابها. والأمر لا يقتصر على ذلك، وإنما يبدو أيضًا أن ما نتعلَّمه يتعزَّز في نومنا. ومن دون النوم يصيب تلك العملية خللٌ كبير؛ بمعنى أنَّ إرساء الذكريات طويلة المدى يصير صعبًا، والأصعب منه تعلُّم مهارات جديدة.
٤ تأثر الانتباه
يتمتع البشر في حالتهم المُثْلى بقدرات مذهلة على الانتباه؛ فيمكننا تمييز صوت واحد من كُثُر، وتتبُّع أجسام صغيرة وسط فيض من المعلومات المُشتِّتة بصريًّا وأكثر من ذلك. إلا أنَّ الحرمان من النوم يتسبب في تداعي الكثير من تلك القدرات الدقيقة؛ فإذا لم نحصل على كفايتنا من النوم، فلا يمكننا أن نُعير حواسنا الانتباه المرجو. يتولَّد عن ذلك جزئيًّا ذاك الشعورُ الغريب بفقدان التركيز الذي تشعر به عندما تكون مُتعبًا.
٥ تأثر القدرة على التخطيط
بعد قضاء ٣٦ ساعة دون نوم، تبدأ قدرتك على التخطيط وتنسيق تصرُّفاتك في التأثر بالسلب. أثبتت الاختبارات أنَّ تلك القدرة الحيوية على اتخاذ قرار متى وكيف تشرع في مهمة أو تتوقف عنها؛ سرعان ما تنهار مع قلة النوم. فما أسهل أن يعلق الأشخاص المحرومون من النوم في حلقات من النشاط المتصل، أو فترات من الحيرة والتفكير المشوَّش.
والعواقب وخيمة في الحالتين.
٦ سيطرة العادات
بما أنَّ الأشخاص المحرومين من النوم يجدون صعوبة في وضع الخطط، أو السيطرة على كيفية بدء الأعمال أو الانتهاء منها؛ فإنهم يضطرون إلى اللجوء إلى المنظومات التلقائية في الدماغ. وأقصد بهذا العادات.
فعندما يقلُّ النوم يزداد اعتمادنا على تكرار الأفعال ذاتها في المواقف ذاتها. وهذا أمر محمود فيما يتعلق بالعادات السليمة، لكنه ليس كذلك فيما يتعلق بالعادات السيئة. ومن ثمَّ يُقبل المحرومون من النوم أكثر على تناول الأطعمة السريعة.
٧ المجازفة
يعلم أي شخص لعب يومًا دور بوكر في وقت متأخر من الليل الآثار الغريبة التي تطرأ على حسِّ المخاطرة.
أثبتت دراسات — استعانت بألعاب الورق — أنه عندما يقلُّ النوم يقع اللاعبون في مأزق استراتيجي؛ فيَبدون غير قادرين على تغيير خطة اللعب استنادًا إلى الخبرة. يميل الأشخاص الناعسون إلى المجازفة باستمرار، حتى إنِ اتَّضح لهم أنَّ المجازفة لا تُجديهم نفعًا.
٨ احتضار الخلايا الدماغية
تشير شتى أنواع الدراسات إلى أنَّ الحرمان من النوم يتلف الخلايا الدماغية؛ فقد اكتشفت دراسة أُجرِيَت في الآونة الأخيرة أنَّ بعض الخلايا الدماغية في الفئران يموت منها ٢٥٪؛ نتيجةً للحرمان من النوم لفترات طويلة.
ووجدت دراسات أخرى أن المادة البيضاء في الدماغ تقلُّ — على الأرجح — نتيجة الحرمان من النوم. ومثلما تسفر قلة النوم عن أضرار نفسية، فلها أيضًا أضرار فسيولوجية.
٩ الهَوَس
إذا ما حُرم الشخص من النوم بصفة منتظمة؛ فقد يبدأ في الإصابة بالهَوَس. تتضمن الأعراض: الذُهان، وجنون الاضطهاد، وارتفاع مستوى الطاقة على نحو شديد، والهلاوس، والعدوانية … وأكثر من ذلك.
وقد وُجِد أنه ثمة علاقة بين الأرق والمرض العقلي. وللأسف يمكن للمرض العقلي أن يتسبَّب في قلة النوم أيضًا. وإذا ظلَّ الشخص يعاني من صعوبة في النوم، يمكن أن يتحوَّل الأمر إلى حلقة مفرغة.
١٠ حوادث السيارات
أحد الأشياء المخيفة فيما يتعلق بالحرمان من النوم هي أنه يمكن أن يتراكم أثره مع الوقت ثم يداهمك فجأة. فأنت تفقد ساعة أو ساعتين من النوم كل ليلة، دون أن تشعر بضرر ذلك.
أثبتت الدراسات أنَّ الأشخاص الذين يقودون سياراتهم وهم محرومون من النوم لا يدركون حدة المشكلة. والحقيقة أنَّ قيادة المرء وهو محروم من النوم قد تكون أسوأ من قيادته مخمورًا؛ إذ إنهما يشتركان في عدد كبير من النتائج، لكن خطورتها أقل وضوحًا بكثير بالنسبة إلى السائق.
üالعلاج
النبأ السار هو أن علاج معظم أوجه القصور تلك بسيط؛ فليلة واحدة من النوم الهانئ كثيرًا ما تفي بالغرض.
فبعد بقاء راندي جاردنر مستيقظًا لمدة ١١ يومًا، ذُكر أنه نام ما يربو على ١٤ ساعة في الليلة الأولى، ثم ١٠ ساعات في الليلة التالية، وبعدهما تعافى كليًّا. فلا بد أنها كانت أحلامًا سعيدة!
هذه التدوينة استهلكت ساعات من الجهد و العمل لافادتك..فلا تبخل عليها بدقيقة لتضغط على ايقونة “غرّد” و “اعجاب” ليستفيد غيرك
Post a Comment