كثير منا يعاني من "اكـتـئـاب مُـقَـنَّـع"، وله مظاهر، كالتأخر في النوم بعد
الفجر..."وماذا أفعل إن بقيت مستيقظا؟"...اقرأ! تعلم! العب رياضة..."وعلى ماذا؟ ما الفائدة؟ خليني أروح أنام"
التهرب من الأعمال النافعة طويلة النَّفَس إلى قراءة رسائل الفيس والواتس
التهرب من سماع صوت النفس الداخلي إلى متابعة المقاطع القصيرة
إهمال العناية بصحتنا...مراكمة الدراسة ومهام العمل...
التهرب من الشعور بالفشل في إصلاح بيوتنا وتربية أولادنا إلى إحراز انتصارات
وهمية في "العالم الافتراضي" من خلال الانتشاء بإعجابات الناس ومشاركاتهم
وتعليقاتهم على منشوراتنا التي لا نلتزم نحن أنفسنا بكثير مما فيها!
وبشكل عام: التهرب من "المفيد" إلى "المسلي"
لا يكفي في ذلك كله أن نقول لأنفسنا وللناس: ما نفعله غلط...علينا أن نعود إلى المفيد..
بل نحتاج أن نرجع إلى الأسباب...ومن أهمها: "الاكـتـئـاب المـُـقَـنَّـع"
إنها النفسية التي عمل أعداؤنا على تكريسها فينا بكل طريق...
إنها تراكمات آلاف مشاهد الإهانة للمسلمين والإشعار بقلة قيمتهم، والتي يبثها الإعلام بسخاء شديد بحجة رصد الواقع! في الوقت الذي تتظافر فيه جهود الإعلام والأجهزة القمعية على إخفاء وإجهاض جهود
إصلاح هذا الواقع.
ليكرسوا في المسلمين نفسية الــ"لا جدوى"، "على الفاضي"، "خربانة خربانة"، "نحن عاجزون"..
كأن الإعلام يضربنا ضربات على رؤوسنا فنهيم بعدها حائرين مشتتين لا نَقَر على عمل نافع!
والأخطر من ذلك أننا نحن أنفسنا نكرس نفسية الفشل والاكتئاب هذه أحيانا بــخطابنا "الديني" ! حين نلوم العصاة على معاصيهم والمسلمين على عدم نصرة إخوانهم
المستضعفين بالتقريع السلبي التحقيري الذي رسالته: أنتم سيئون فاشلون!
بل أتعلمون إخواني؟ أعتقد أننا نخطئ حين نظن أن أصحاب المعاصي رضوا بالحياة الدنيا وهم بها سعداء. بل كثيرا ما يكون السبب هو اكتئابهم المقنع الذي أشعرهم بقلة
قيمتهم، وقلة الفرق بين حياة الإيمان وحياة العصيان...هؤلاء حين نقرعهم تقريعا سلبيا فإننا نعين عليهم الشيطان الذي يشل إرادتهم عن إصلاح أنفسهم و يُشعرهم بالعجز والبعد عن الله.
هؤلاء...الأجدى في مخاطبتهم أن ترد لأنفسهم اعتبارها في أعينهم هم...تُشعرهم بأهميتهم وكرامتهم على الله إذ هم بنو آدم ثم هم مسلمون...تُذَكرهم بفرح الله بطاعتهم
وتوبتهم، موالاته لهم بقدر توليهم إياه سبحانه، وأنه سيوفقهم ويعينهم إن استعانوا به ولن يقف في وجههم شيء...وستجدهم حينئذ يأنفون بنفوسهم العالية الكريمة هذه عن
المعاصي ويألفون الطاعة تلقائيا!
لا تجد في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم موقفا واحدا سلبيا لام فيه أصحابه ولم يعطهم الحل والمخرج! أبدا، ولا موقف واحد! وانظر إيجابيته مثلا عليه
الصلاة والسلام بعد معركتي أحد وحنين على ما بدر من الصحابة فيهما من خطأ.
نحن جميعا بحاجة ماسة إلى تعزيز جوانب الخير والقوة فينا وإعادة ثقتنا بعلاقتنا بالله تعالى لنبني على ما هو موجود بعد تثبيته، ولنُفْشِل مخططات أعدائنا من الكفار
والمنافقين الذين (ودوا ما عنتم)، أي يحبون لنا المشقة والفشل وتحطيم النفسيات.
(ولا تهِنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).